القدس جغرافيا
تعتبرالقدس من أقدم مدن الأرض ، فقد هدمت وأعيد بناؤها أكثر من 18 مرة في التاريخ، وترجع نشأتها إلى 5000 سنة ق.م، حيث عمرها الكنعانيون، واعطوها اسمها، وفي 3000 ق.م. سكنها العرب اليبوسيين، وبنوا المدينة وأطلقوا عليها اسم مدينة السلام، نسبة إلى سالم أو شالم إله السلام عندهم، وقد ظهرت في هذه المدينة أول جماعة آمنت بالتوحيد برعاية ملكها ملكى صادق، وقد وسع ملكى صادق المدينة واطلق عليها اسم أورسالم أي مدينة السلام. وحملت القدس العديد من الأسماء عبر فترات التاريخ، ورغم هذا التعدد إلا أنها حافظت على اسمها الكنعاني العربي.
شيدت النواة الأولى للقدس على تلال الظهور (الطور أو تل أوفل)، المطلة على بلدة سلوان، إلى الجنوب الشرقي من المسجد الأقصى، لكن هذه النواة تغيرت مع الزمن وحلت محلها نواة رئيسية تقوم على تلال اخرى مثل مرتفع بيت الزيتون (بزيتا) في الشمال الشرقي للمدينة بين باب الساهرة وباب حطة، ومرتفع ساحة الحرم (مدريا) في الشرق، ومرتفع صهيون في الجنوب الغربي، وهي المرتفعات التي تقع داخل السور فيما يُعرف اليوم بالقدس القديمة.
وتمتد القدس الآن بين كتلتي جبال نابلس في الشمال، وجبال الخليل في الجنوب، وتقع إلى الشرق من البحر المتوسط، وتبعد عنها 52كم، وتبعد عن البحر الميت 22كم، وترتفع عن سطح البحر حوالي 775م، ونحو 1150م عن سطح البحر الميت، وهذا الموقع الجغرافي والموضع المقدس للدينة ساهما في جعل القدس المدينة المركزية في فلسطين.
وكانت القدس لمكانتها موضع أطماع الغزاة، فقد تناوب على غزوها وحكمها في العهد القديم: العبرانيون، الفارسيون، السلوقيون، الرومانيون، والصليبيون، أما في العهد الحديث فكان العثمانيون، والبريطانيون، كلهم رحلوا وبقيت القدس صامدة في وجه الغزاة وسيأتي الدور ليرحل الصهاينة، وتبقى القدس مشرقة بوجهها العربي.
بلغت مساحة أراضيها حوالي 20790 دونماً،
قامت المنظمات الصهيونية المسلحة في 28/4/1948 باحتلال الجزء الغربي من القدس، وفي عام 1967 تم احتلال الجزء الشرقي منها، وفي 27/6/1967 أقر الكنيست الإسرائيلي ضم شطري القدس، وفي 30/7/1980 أصدر الكنيست قراراً يعتبر القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل. وقد تعرضت القدس للعديد من الإجراءات العنصرية تراوحت بين هدم أحياء بكاملها مثل حي المغاربة، ومصادرة الأراضي لإقامة المستعمرات، وهدم المنازل العربية أو الإستيلاء عليها، والضغط على السكان العرب من أجل ترحيلهم .
وكانت أكثل الأشكال العنصرية بروزاً هي مصادرة الأراضي، فقد صادرت اسرائيل ما يزيد على 23 الف دونم من مجموع مساحة القدس الشرقية البالغة 70 ألف دونم، منذ عام 1967، وأقيم عليها حوالي 35 ألف وحدة سكنية لليهود، ولم يتم اقامة أي وحدة سكنية للعرب. وما زالت اسرائيل مستمرة في مصادرة الأراضي من القدس.
وتحيط بالقدس حوالي عشرة أحياء سكنية، وأكثر من 41 مستعمرة، تشكل خمس كتل إستيطانية.
تُعتبر القدس من أشهر المدن السياحية، وهي محط أنظار سكان العالم أجمع، يؤمها السياح لزيارة الأماكن المقدسة، والأماكن التاريخية الهامة، فهي تضم العديد من المواقع الأثرية الدينية، ففيها : الحرم الشريف، مسجد الصخرة، المسجد الأقصى، حائط البراق، الجامع العمري، كنيسة القيامة، كما يقع إلى شرقها جبل الزيتون، الذي يعود تاريخه إلى تاريخ القدس، فيضم مدافن ومقامات شهداء المسلمين، وتوجد على سفحه بعض الكنائس والأديرة مثل الكنيسة الجثمانية التي قضى فيها المسيح أيامه الأخيرة.
وقد تعرض المسجد الأقصى منذ عام 1967 إلى أكثر من عشرين اعتداء تراوحت بين التدمير والهدم، والاحراق، وإطلاق الرصاص، وحفر الأنفاق، واستفزازات الصلاة، وشهدت القدس عدة مذابح ضد زال الفلسطينيون
مدخل الى القضيه الفلسطينية والصراع العربي _اليهودي
لا يمكن التعامل مع الصراع الدائر فوق ارض فلسطين المحتلة كصراع نموذجي من الصراعات البشرية العادية، كما لا يمكن اعتبار هذا الصراع امتداداً لصراعات لم تتوقف بين القوى المختلفة للسيطرة على أرض فلسطين لأسباب اقتصادية أو عسكرية أو حتى دينية .
ويكفي استعراض المراحل التاريخية التي مرت بها القضية الفلسطينية لتوضيح هذه الحقيقة فبينما كان التنافس الإستعماري الاوروبي يشتد في نهاية القرن الثامن عشر لوراثة الإمبراطورية العثمانية، والسيطرة على طريق الهند الإستراتيجي، ويشكل عاملاً أساسياً لرسم سياسات الدول الأوروبية، حاول الحركيون اليهود - بدعم أوروبي شاركت فيه آنذاك ألمانيا وبريطانيا - الضغط على الخلافة العثمانية لانتزاع ميثاق من السلطان عبد الحميد الثاني يمنح اليهود حق الإستيطان في فلسطين والسماح بهجرتهم إليها، غير أن السلطان العثماني رفض الضغوط الأوروبية وإغراءات اليهود .
وفي الفترة بين عامي 1900- 1901 أصدر السلطان عبد الحميد بلاغاً يمنع المسافرين اليهود من الإقامة في فلسطين لأكثر من ثلاثة أشهر، كما أمر بمنع اليهود من شراء أي أرض في فلسطين، خشية أن تتحول هذه الأراضي إلى قاعدة لهم تمكنهم من سلخ فلسطين عن بقية الجسد المسلم .
وفي عام 1902 تقدم اليهود بعرض مغر للسلطان عبد الحميد يتعهد بموجبه أثرياء اليهود بوفاء جميع ديون الدولة العثمانية وبناء أسطول لحمايتها، وتقديم قرض بـ(35) مليون ليرة ذهبية لخزينة الدولة العثمانية المنهكة، إلا أن السلطان رفض العروض وكان رده كما جاء في مذكرات ثيودور هرتزل: (انصحوا الدكتور هرتزل ألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع، لأني لا استطيع أن أتخلى عن شبر واحد من الارض، فهي ليست ملك يميني بل ملك شعبي، لقد ناضل شعبي في سبيل هذه الارض ورواها بدمائه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت امبراطوريتي يوماً فإنهم يستطيعون أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من الامبراطورية الاسلامية، وهذا أمر لا يكون، فأنا لا استطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة .. ) .
وعندما أيقن اليهود بفشل جميع المحاولات الممكنة بدأوا بالعمل على إسقاط الخلافة العثمانية، حيث استطاعوا التسرب عن طريق طائفة يهود الدونمة التي تظاهر أفرادها بالإسلام وحملوا الأسماء التركية، ودخلوا في جميعة "الاتحاد والترقي" ووصلوا الى الحكم سنة 1907، وتصاعد النشاط الصهيوني في فلسطين بدعم من أنصار الاتحاد والترقي ويهود الدونمة الذين سيطروا على مقاليد السلطة في الاستانة حيث سمح الحاكم العثماني الجديد لليهود بالهجرة إلى فلسطين وشراء الأراضي فيها، مما فتح أمام المنظمات الصهيونية للبدء بالنشاط العملي على نطاق واسع حتى سقطت الخلافة رسمياً سنة ( 1924) واحتلت الجيوش البريطانية فلسطين .
كان التنافس الاستعماري بين بريطانيا وفرنسا واضحاً في الشرق الأوسط، حتى قبل قيام الحركة الصهيونية، وكان هدف كل منهما حماية مصالحه في المنطقة، وملاحقة الدولة الأخرى من إجل إيذائها أو منافستها على تلك المصالح، وإيجاد الوسائل المختلفة التي تحمي مصالحها واعتقدت بريطانيا بعد فشل نابليون بونابرت في مصر وبلاد الشام، أنه من المفيد إيجاد بدائل اخرى في الشرق الأوسط، لاستمرار تفوقها على فرنسا. وقد وجدت في فلسطين مكاناً ملائماً لبسط نفوذها بسبب الموقع الجغرافي الذي تتمتع فيه وسط الوطن العربي وباعتبارها البوابة التي تربط بين أسيا وأفريقيا، ولهذا فإن من مصلحة الاستعمار الاوروبي والبريطاني بالذات، فصل الجزء الاسيوي عن الجزء الأفريقي من الوطن العربي، وخلق ظروف لا تسمح بتحقيق الوحدة بين الجزءين في المستقبل .
بدأ الموقف البريطاني يتضح بعد حملة محمد علي باشا والي مصر الى الشام، عندما أرسل ابنه ابراهيم باشا الى المنطقة، مما أثار بريطانيا لأنها خشيت أن تتوحد مصر مع بلاد الشام في دولة واحدة، لهذا ساهمت بريطانيا مع الدولة العثمانية في إفشال حملة ابراهيم باشا على بلاد الشام .
وفي مارس / آذار 1840 وجه البارون اليهودي روتشيليد خطاباً إلى بالمر ستون قال فيه : «إن هزيمة محمد علي وحصر نفوذه في مصر ليسا كافيين لأن هناك قوة جذب بين العرب، وهم يدركون أن عودة مجدهم القديم مرهون بإمكانيات اتصالهم واتحادهم، إننا لو نظرنا إلى خريطة هذه البقعة من الأرض، فسوف نجد أن فلسطين هي الجسر الذي يوصل بين مصر وبين العرب في أسيا. وكانت فلسطين دائماً بوابة على الشرق. والحل الوحيد هو زرع قوة مختلفة على هذا الجسر في هذه البوابة، لتكون هذه القوة بمثابة حاجز يمنع الخطر العربي ويحول دونه، وإن الهجرة اليهودية إلى فلسطين تستطيع أن تقوم بهذا الدور، وليست تلك خدمة لليهود يعودون بها إلى أرض الميعاد مصداقاً للعهد القديم، ولكنها أيضاً خدمة للامبراطورية البريطانية ومخططاتها، فليس مما يخدم الامبراطورية أن تتكرر تجربة محمد علي سواء بقيام دولة قوية في مصر أو بقيام الاتصال بين مصر والعرب الآخرين».
وهو ما أمكن تحقيقه جزئياً من خلال اتفاقية سايكس - بيكو (1916) وبموجب الاتفاقية حصلت فرنسا على أجزاء من سوريا وجنوب الأناضول وعلى منطقة الموصل في العراق ولونت باللون الازرق، وحصلت بريطانيا على أراضي جنوب سوريا إلى العراق شاملة بغداد والبصرة والمناطق الواقعة بين الخليج العربي والأراضي الممنوحة لفرنسا وميناءي عكا وحيفا ولونت باللون الأحمر ، أما بقية مناطق فلسطين فقد لونت باللون البني، واتفق على أن تكون دولية، وهكذاحقق الاستعمار البريطاني والفرنسي مؤامرته ضد قيام وحدة بين جزئي الوطن العربي .
في أعقاب الاتفاقية عمد قادة الحركة الصهيونية وعلى رأسهم اللورد روتشيلد وحاييم وايزمان لاجراء اتصالات مع بريطانيا أدت إلى إصدار وعد بلفور، وكان من الأسباب التي دفعت بريطانيا للموافقة على الوعد هو أن تكون الدولة اليهودية خط الدفاع الأول عن قناة السويس واستمرار تجزئة الوطن العربي، وقد أصدر القرار في 2 تشرين ثاني / نوفمبر 1917 وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور، ونص القرار الذي جاء على هيئة رسالة من بلفور إلى روتشيلد على أن «حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الاخرى،
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح » وفي 11 كانون أول / ديسمبر 1917 دخلت الجيوش البريطانية بقيادة الجنرال اللنبي القدس وبدأت في تنفيذ وعد بلفور عملياً وحدثت على أثر ذلك صدامات بين العرب واليهود وتشكلت جمعيات عربية ضد المشروع الصهيوني ،عندما أراد اليهود الاحتفال بمرور عام على وعد بلفور هدد العرب بالتظاهر غير أن المندوب السامي البريطاني هربرت صموئيل هدد بإلقاء القبض على كل عربي يتظاهر .
وحاولت بريطانيا تهدئة العرب، في الوقت الذي كانت تسعى فيه إلى فصل فلسطين عن بلاد الشام، ولكنها لم تنجح، حيث قام الفلسطينيون بأول ثورة شعبية عام 1920 .
وخلال انعقاد مؤتمر فرساي في كانون ثاني / يناير 1919 قدمت الحركة الصهيونية إلى المؤتمر خطة مدروسة واضحة المعالم لتنفيذ مشروعها، دعت إلى :
1- إقامة وصاية بريطانية لتنفيذ وعد بلفور .
2- أن تشمل حدود فلسطين ضواحي صيدا ومنابع الليطاني ونهر الأردن وحوران وشرق الأردن والعقبة وأجزاء من صحراء سيناء المصرية .
وفي هذا المؤتمر، وضعت سياسة الانتداب على المستعمرات التي كانت تابعة لألمانيا وتركيا قبل الحرب. كما دعا المؤتمر إلى تشكيل عصبة الأمم المتحدة لتكون تلك الدول بريطانيا وفرنسا مندوبة عن عصبة الامم .
وفي 31 أيار/مايو 1920م صدر إعلان الانتداب على فلسطين في مؤتمر سان ريمو وعين البريطاني الصهيوني هربرت صموئيل مندوباً سامياً في القدس، وكان وزيراً للداخلية البريطانية ومتعاطفاً مع الصهاينة .
وبعد ثلاثة أيام فقط من إعلان صك انتداب بريطانيا على فلسطين، كشفت بريطانيا عن مضمون وعد بلفور، واحتج الفلسطينيون وحدثت اشتباكات لأول مرة بين الحرس البريطاني والعرب . كما منعت بريطانيا المؤتمر الفلسطيني الثاني من الانعقاد في حيفا عام 1920 ، بعد أن أصبح تشرشل وزيراً للمستعمرات عقد مؤتمراً في القاهرة للعسكريين والموظفين البريطانيين لمراجعة الوضع البريطاني في المنطقة، حيث أوصى المؤتمر :
- الاستمرار في تنفيذ وعد بلفور، لأن بريطانيا ملزمة بإنشاء وطن قومي لليهود .
- ان تشكل في شرق الاردن مقاطعة عربية بقيادة الأمير عبدالله يكون مسؤولاً عنها أمام المندوب البريطاني دون أن تكون المقاطعة مشمولة في النظام الإداري لفلسطين، ودون أن تنطبق عليها شروط الانتداب. وليكون شرق الاردن مستعداً لاستقبال من يضطر من الفلسطينيين للمغادرة .
التكمله فى الجزء الثانى